التخطي إلى المحتوى

نقاش صريح وإجماع واضح على ضرورة إدماج التكنولوجيات الجديدة، لاسيما تقنيات الذكاء الاصطناعي، في المجال المالي، مع تجديد النداءات لتفعيل الرقمنة الشاملة والمتسارعة لمسار العمليات المتعلقة بالضرائب والجبايات، لم تخْلُ منه فعاليات المناظرة الدولية للمالية العمومية، المختتمة دورتها الـ15، مساء السبت، بمقر الخزينة العامة للمملكة بالرباط.

“اللوغاريتمات” لصالح المالية العمومية

في هذا الإطار أكد الوزير السابق عثمان الفردوس أن الرقمنة لم تعد ترفاً؛ مشيرا إلى أنه “أضحى من اللازم على المصالح الإدارية الترابية والضريبية إتقانُ النماذج الحسابية اللوغاريتمية بشكل كامل (modèles algorithmiques)، مما يسمح بمراعاة التدفقات المادية في سيرورة تحصيل الضرائب”.

وأضاف الفردوس، أثناء تدخله ضمن فعاليات جلسة نقاش حول “نماذج وأدوات تقنين التدبير المالي العمومي”، أن التكنولوجيا تُفسح المجال أمام “الابتكار الضريبي”، لافتا الانتباه، مع ذلك، إلى أنها تشكل، في الآن نفسه، “ممارسة ضغط مزدوج، وقد تؤدي إلى طرق جديدة للتهرب الضريبي”.

ودعا المتحدث ذاته، في معرض حديثه، إلى “تمتيع السلطات المحلية بصلاحيات الاستقلالية المالية، وتفعيل الصلاحيات القائمة، التي تعدّ ضرورة لا غنى عنها بهدف إنجاح ورش الجهوية المتقدمة”.

الفردوس، الذي يشغل حاليا مهام نائب الرئيس المسؤول عن نمو وتطوير الشراكات الاستراتيجية في المجموعة المغربية “ABA Technology”، لم يفُته أن يلفت انتباه الحضور من خبراء المال والاقتصاد إلى أن “الإمكانات المالية الضريبية الهائلة بالمغرب لا تزال غير مستغلة بشكل جيد، كما أنها غير مفهومة، وتفتقر إلى المشروعية المطلوبة”؛ مستحضرا خلاصات المناظرة الوطنية للجبايات، التي كانت قد “شجعت على ربط الإيرادات الجبائية المحلية بإنتاج الثروة داخل تراب الجهات والجماعات والأقاليم”.

“عدم اليقين” عبء على الميزانية

من جانبه اعتبر محمد تعموتي، مدير الدراسات الاقتصادية في بنك المغرب، أن “تعزيز قدرات التقييم يستلزم، بالضرورة، وجود مؤسسات مستقلة وذات خبرة”، مسجلا، في مداخلة له بالجلسة ذاتها، أن “السياق الحالي للأزمات المتتالية، المتسم بحالة شديدة من عدم اليقين، جعل الدولة لاعباً فاعلا بشكل مركزي في دعم الأسر المغربية الهشة والشركات الموجودة في وضعية صعبة”.

فضلا عما سبق، حذر المسؤول بالبنك المركزي المغربي من أن “زيادة اللجوء إلى الموارد المالية العمومية نتيجة الارتفاع الملحوظ في الجهد الميزانياتي أدت إلى تفاقم حاد في الديون، مع تعميق نسَب العجز في الميزانية”، قبل أن يوصي بـ”أهمية التدبير والتسيير السَّليمين للمالية العمومية، ليس فقط لضمان استمرارية الخدمات، ولكن أيضا لتعزيز مرونتها واستدامتها؛ مما يسمح للدولة بالتوفر على الهوامش اللازمة لمواجهة الأزمات المحتملة”.

أدوات تقييم مبتكرة

ماري كريستين إسكلاسان، الأستاذة بجامعة باريس 1 بانثيون- السوربون، نسجت على المنوال ذاته، مؤكدة في مداخلتها في المحور نفسه أن “تطور إشكاليات الضغط الضريبي والجبائي والديْن والعجز في توازنات المالية العمومية بات يتطلب تطوير أدوات الرقابة ومراقبة التسيير المعمول بها حاليا في أفق تحسين نسق عمليات الضبط والتقنين”.

ودعت الأمينة العامة لمؤسسة “FONDAFIP”إلى اعتماد أدوات تقييم مالي “مبتكِرة”، مستندة على أساس نموذج للحكامة المالية العمومية يتأقلم مع السياق الراهن. وخلصت إلى أنه “وسط كل هذه الإجراءات من الممكن تحقيق أقصى استفادة من التقنيات الجديدة، وعدم تفويت الفرصة لاستغلال ما تتيحه مزايا الثورة التكنولوجية المتسارعة”.

المرونة والتنسيق

في سياق متصل، اختتمت المناظرة أشغالها بكلمة “مسجَّلة عن بُعد” ألقاها شكيب بنموسى، رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، الذي شدد على “مقاربة نسقية تربط بين الأنظمة القائمة والاستماع إلى أصداء السياسات العمومية المتّبعة”، معتبرا أن “الحل الأنجع الذي نملكه حاليا ضد حالة اليقين السائدة خلال الأزمات يظل هو المرونة وتنويع المبادرات، مع ترسيخ وترصيد المكتسبات”.

ولم يفوت المسؤول الحكومي الإشارة إلى “تحدٍّ مزدوج تعانيه المالية العمومية في دول العالم؛ فمقابل محدودية وتقلص الموارد تتسارع التحولات، مع توجهات تتصاعد نحو أن يصبح تعدد الأزمات هي الأصل”. وختم قائلا: “رغم اعتماد النموذج التنموي المغربي، في خضم الجائحة عام 2021، والذي بدأ العمل لبلوغه، فإنه يحمل في طياته نواة أجوبة للعديد من الإشكاليات الاقتصادية الراهنة”.

جدير بالتذكير أن أشغال ونقاشات المناظرة الدولية للمالية العمومية في دورتها الـ15 امتدت يومَيْ الجمعة والسبت (16 و17 دجنبر 2022)، بتنظيم مشترك بين وزارة الاقتصاد والمالية والمؤسسة الدولية للمالية العمومية (FONDAFIP) ، ودعم من قبل المجلة الفرنسية للمالية العمومية . (RFFP)

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.