التخطي إلى المحتوى

مع التطور الصناعي والتحديات التي تحدثها التقنيات فائقة التطور وما يصاحبها من موجات جديدة غير مسبوقة، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، والمحاكاة وغيرها، أو ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة، التي تتلاشى فيها الفروق والحواجز بين كل ما هو مادي، وما هو وافتراضي، وما هو بيولوجي، فإن هناك ضرورة لمعالجة تفاعلات ومخاطر هذه الموجات الجديدة وانعكاساتها على الإنسان، وسلامة بيئته، وعلى مستقبل البنية المجتمعية.

وأمام تزايد اعتمادنا على التقنيات فائقة التطور، والتطور أحيانًا منها براء، حيث تسهم، عمليات توظيف الروبوت، على سبيل المثال، في ظهور أشكال جديدة غير معهودة من الحوادث، كما تتعرض العمليات الصناعية المتصلة بالإنترنت بشكل أكبر للهجمات الإلكترونية، ويمكن أن تؤدي المراقبة المتطورة لأداء العمال إلى تعرضهم لآثار صحية سلبية ترتبط بالجهاز العصبي.

ونظرًا لفداحة مخاطر ووقوع هذه التقنيات في خطأ، أحيانًا، يضاعف من الأخطاء ويعظم من المخاطر، فقد لجأ نخبة من خبراء ومسئولي المنظمات والمؤسسات الدولية إلى صياغة ما يشكل “إعلان المبادئ العالمي للسلامة الصناعية”، يستهدف وضع خطة عمل للحكومات والشركات الصناعية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، للتصدي لتحديات السلامة الصناعية التي تتسبب في وفاة ما يقرب من 3 ملايين شخص حول العالم وخسارة ما نسبته 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، كما كشفت تقارير منظمة “اليونيدو” التابعة للأمم المتحدة.
 
ولا شك أن ولادة التقنيات الحديثة وتوظيفها، يلاحقه ظهور مخاطر جديدة تتطلب حلولًا وإجراءات مبتكرة لمعالجتها، أي أن تصاعد المنافسة ينتج عنه ويقابله تصاعد لمخاطر جديدة ترتبط بسلامة وصحة العاملين، بل لابد من وضع أولوية سلامة العمال ورفاهيتهم كمقياس أساسي للنجاح، حتى لا يعمل هؤلاء في أجواء مضغوطة، وهناك مسئوليات على الشركات بعدم الاندفاع نحو التحول الرقمي وإهمال سلامة الموظفين، والاهتمام بضمان توفير بيئة ملائمة بتصميم المصانع المستقبلية بما يلبي احتياجات العمال والموظفين والفنيين.
 
هذا الإعلان المقترح، هو أول تطور عالمي من نوعه، يتيح وقتًا للعالم لكي يتأمل ويفكر في مدى العائد الذي يجنيه الإنسان، أو مدى عمق الخسارة التي تصيب بيئته بسبب التطور التقني، وهو مبادرة عالمية تستعرض مستقبل السلامة الصناعية، تضطلع به منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “اليونيدو”، مؤسسة لويدز ريجستر، والقمة العالمية للصناعة والتصنيع، ومركز السياسات الصناعية في جامعة كامبريدج ” (CIIP)، سيعقد على مدى 3 أيام من 28 – 30  سبتمبر الحالي 2022، بمدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية، بهدف وضع المعايير الرئيسية لإعلان المبادئ العالمي للسلامة الصناعية، لبناء عالم أكثر أمانًا وتوظيف التكنولوجيا لتعزيز السلامة في أماكن العمل، وتحديد معايير التوظيف الآمن للتقنيات الجديدة، وتعزيز حلول السلامة المعنية بالتكنولوجيا.
 
ولا شك أن عدم الالتزام بتطبيق معايير السلامة الصناعية ينتج عنه مخاطر جمة، كما ينبه برناردو كالزاديلا سارمينتو، مدير إدارة الإنتاج العادل والمعايير المستدامة والتجارة في “يونيدو”، حيث عدم الالتزام بتطبيق معايير السلامة الصناعية ينتج عنه مخاطر كبيرة على المستويين البشري والمالي، حيث يواجه المجتمع الصناعي  مخاطر تنشأ عبر الاعتماد على التقنيات الرقمية فائقة التطور.

علي الجانب الآخر، يساهم توظيف التكنولوجيا في العمليات الصناعية في إيجاد حلول جديدة وأكثر كفاءة وفاعلية لتعزيز السلامة الصناعية، ومن ثم فإن التوفيق بين الجانبين، المخاطر والفرص، أمر ضروري، لتسخير التكنولوجيا لتعزيز السلامة الصناعية ولجعل العالم أكثر أمانًا.
 
 وبمشاركة ممثلين رفيعي المستوى من كل من منظمة العمل الدولية، ومعهد المعايير البريطانية، و”روستشنادزور”، ومعهد السلامة والصحة المهنية، والمجلس الوطني للسلامة، وجامعة كرانفيلد، وكاسبرسكي، والاتحاد للقطارات، ومجموعة سند، وستراتا للتصنيع، خرجت ورشة العمل الأولى بجملة من التوصيات اهتمت ضرورة التنسيق بين الشركات والموظفين لاعتماد أفضل الممارسات لتعزيز السلامة؛ وتعزيز دور الشركات في تطبيق تدابير السلامة في سلاسل التوريد الخاصة بها؛ وضرورة إعطاء الأولوية لسلامة العمال عند تبني التقنيات الجديدة؛ وتطوير سياسات للسلامة أكثر قدرة على التكيف مع إجراءات التشغيل؛ وضرورة التزام الشركات الرقمية الصغيرة والمتوسطة بتوفير بيئة عمل آمنة لموظفيها.
 
إعلان المبادئ العالمي، سيحدد الإرشادات التي ستمكن الشركات الدولية من تعزيز السلامة في منشآتها الصناعية، والتركيز على الدور الذي تلعبه التقنيات الجديدة في إعادة تعريف مفهوم الأمن الصناعي، تحت عنوان “تعزيز السلامة الصناعية في العصر الرقمي: حلول ذكية للعصر الرقمي” ، وضمان الأمن والسلامة المرتبطان بتوظيف التقنيات الحديثة.
 
المدير التنفيذي للقمة العالمية للصناعة والتصنيع نمير حوراني، شرح أهمية إطلاق إعلان المبادئ العالمي للسلامة، بتوفير بيئة عمل أكثر أمانًا وسلامة في المنشآت الصناعية، والتصدي لتحديات السلامة الصناعية الجديدة من خلال التوظيف الأمثل للتقنيات الثورة الصناعية الجديدة، وتعزيز ونشر الوعي المعني بالسلامة، ومعالجة قضايا الشفافية والانفتاح في القطاع الصناعي، وتقديم رؤية أكثر وضوحًا وفاعلية لقادة الأعمال وصناع القرار بأهمية السلامة الصناعية.

والمؤكد أن الاعتماد المتسارع للشركات الصناعية في توظيف التقنيات الرقمية، وصراعها نحو الانتشار والأرباح، ساهم في ظهور مخاطر غير متوقعة، فلابد أن تتحمل هذه الشركات العملاقة، المسئولية، وضمان وضع سلامة الموظفين في صدارة أولوياتها.
 
[email protected]

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.