في خضم الازمة الاقتصادية الخانقة في لبنان، ومع جنون سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وانعدام القدرة الشرائية للعملة الوطنية، البحث عن عمل «بالفرش» كان السبيل للخلاص والاستمرار للتغلب على مصاعب الحياة. سيما وان لبنان يتميز بطاقاته البشرية، وشبابه ينفرد بكفاءات علمية وخبرات مهنية تؤهله ان يتنافس مع غيره في أسواق العمل العالمية، كما يتمتع بالكد والعطاء والتفاني من اجل تخطي الازمات التي ما انفكت تلاحقه في كافة القطاعات الحياتية.
وقد اوردت وكالة الصحافة الفرنسية تقريراً اشارت فيه الى ان آلاف اللبنانيين وجدوا أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم، وبعضهم خسرها بالفعل جراء تسريحهم من دون سابق انذار، فيما تلقى موظفون في قطاعات عدة تعليمات بالحضور الى مراكز عملهم بدوام جزئي مقابل نصف راتب، وبالعملة المحلية، وبالتالي اضحى لا يساوي 30 دولارا.
هذه الأمور مجتمعة، ألحقت ضررا كبيرا بالمؤسسات التجارية والاقتصادية، يوازيه الغلاء الفاحش وارتفاع سعر المحروقات بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، ما دفع بالكثيرين للبحث عن عمل مستقل FREELANCERS او ONLINE، أي لحسابهم الخاص دون التقيد بصاحب الشركة او العمل بدوام كامل او جزئي.
في الحقيقة الهدف مصوّب باتجاه الافراد، الذين يتمتعون بقدرة القيام بمهام متنوعة، وتكون الصلاحيات واسعة، وعادة تعمل في بيئة متطورة، مثل شركات الاتصالات والكومبيوتر. ويكون حل أي من المشاكل التي قد تحدث سريعة، ما يتماشى مع متطلبات واحتياجات العملاء، وتبنى على عدة شروط: القدرة على المهام المتعددة، عدم الانخراط في المشاكل الشخصية وتنظيم الوقت.
لبنان يأتي في الصدارة
في دراسة أجرتها REVELIO LABS، تظهر ان لبنان لديه اعلى نسبة من العاملين لحسابهم الخاص. كما ويتصدر من حيث تصنيف المستقلين وفقا لبيانات مستحدثة للقوى العاملة. ويمتلك أكبر حصة في العالم بنسبة 2.4% ، وتظهر البيانات ان الرقم ارتفع من 1.3% قبل 10 سنوات. وتشير الدراسة الى ان الاقتصاد المستقل برمته قد نما بشكل كبير منذ 2009 وزادت حصة الصناعة المتنامية في الاقتصاد العالمي من حوالي 0.4% الى أكثر من 0.7% بين عامي 2009 و2019 وفقا لنفس البيانات، ولم يتوقف النمو.
وتذكر الدراسة نفسها، ان العديد من الأشخاص استقلوا القطار المستقل مع بداية وباء كورونا وتأثيره المدمر على الاقتصاد العالمي، وهذا ينطبق على لبنان، حيث أدت الازمة الاقتصادية الى زيادة البطالة، ودفعت الناس للبحث عن طرق بديلة لكسب عيشهم، وتلفت REVELIO LABS الى ان قطاع العمل المتنقل ليس الأكثر صحة في العالم. وتطرقت الى ان انخفاض قيمة الليرة في مواجهة الدولار، مما دفع العديد من العاملين لحسابهم الخاص يبحثون عن عملاء من الخارج بهدف الحصول على أموال بالفرش.
وتقول الدراسة، لكي تكون قادرا على العمل بكفاءة، يحتاج العامل عن بُعد الى اتصال موثوق بالإنترنت، وفي بلد أصبح فيه تزويد السيارة بالوقود مهمة شاقة تستغرق ساعات طويلة، والكهرباء متوفرة لبضع ساعات يوميا، فإن الانترنت بعيد كل البعد عن الاعتماد عليه. واظهرت البيانات الأخيرة، ان ما لا يقل عن 14000 شخص من لبنان فقدوا اتصالهم بالإنترنت بسبب تعليق العمليات في بعض مراكز اوجيرو. وتخلص الدراسة بالإشارة الى انه إذا استمرت ازمة الوقود في التفاقم، فمن المؤكد ان العدد المذكور آنفا سيزداد جنبا الى جنب، مما يقضي فعليا على الصعود الواعد لصناعة حديثة العهد.
أكثر الوظائف المطلوبة
للعمل عبر «الاونلاين»
يقول السيد حكمت البعيني المدير التنفيذي لشركة FUTURE 10X، والتي تقوم بالتوظيف «اونلاين»، ان ابرز المجالات المطلوبة هي: انتاج الأفلام والفيديو، الملفات الصوتية، اعمال السكرتارية، العمل في مجال التسويق الالكتروني، برمجة المواقع الإلكترونية، الغرافيك ديزاين، الكتابة الحرة، ادخال البيانات، كتابة او صناعة المحتوى، التصوير الفوتوغرافي والعمل في كتابة المقالات (الكتابة الحرة).
وعن العمل FREELANCERS او ONLINE هل تتوفر فيه شروط العمل الطبيعي؟ وماذا عن المستقبل لمثل هذا النوع من الاعمال، يقول البعيني لـ «الديار»: «نحن كناية عن شركة مركزها في دبي، ونقوم بتوظيف اللبنانيين عن طريق العمل FREELANCERS»، وهذا الموضوع يُجزأ الى ثلاث حالات:
– الأولى: الشركات العالمية تقوم بالتوظيف ONLINE من بلدان مختلفة واوسع من نطاق تواجدها، بحيث يتم التوقيع على عقد اسمه EMPLOYMENTS CONTRACTS أي كأنه موظف عادي، وانما يعمل من بيته، وهو ما يسمى بـ «الاونلاين»، ولكن تنطبق عليه كل شروط الضمان والفوائد والحوافز وتعويضات نهاية الخدمة، هذا بالنسبة للتعامل مع الشركات العالمية.
– الثانية: يوجد بعض الشركات الجديدة، التي بدأت تأخذ موظفين عن طريق تشغيلهم ONLINE بعقد عمل يكون مختلفا عن عقد الـ EMPLOYMENTS CONTRACTS، وهو بمثابة عقد شهري، ومن الممكن ان يكون سنويا، ولكن لا يتمتع بأحقية الضمان والحوافز والتعويضات والعطل وغيرها من الفوائد، ويتم دفع الرواتب والمستحقات المتفق عليها شهريا».
– الثالثة: في هذا الإطار الـ FREELANCERS يعملون على حسابهم ONLINE، بحيث ان هؤلاء يستلمون اعمالا من رب الشركة، ولا يوجد أي علاقة ولا حتى عقد او قانون عمل ينظم هذا القطاع، كما أصحاب المهن الحرة في شركة او مؤسسة او مكتب.
ويلفت البعيني، الى «انه يوجد في شركته القائمة في دبي حوالى 52 شخصا يعملون FREELANCERS يتم دفع رواتبهم على القطعة، ولا يوجد عقود بين الطرفين تنظم هذا المجال، وبحسب العمل الذي يصل للشركة يتم ارساله لهم».
ويشير «الى انه يطالب بقُونَنَة هذا المجال، لان الـ FREELANCER إذا عمل لساعات معينة يجب ان يحصل في المقابل على بعض الفوائد والحوافز». ويضيف: «في الدراسة التي أجريت، اظهرت ان لبنان هو في المرتبة الأولى للعمل المستقل خاصة بعد انهيار الليرة، وتدمير الاقتصاد وانتشار البطالة بكثرة، وبعد ازمة كورونا بدأت الناس تفكر بالعمل ONLINE ، هذه العوامل مجتمعة جعلت لبنان في مقدمات الدول، وهو ما يعد عددا هائلا ونسبة كبيرة».
ويلفت «الى ان وظائف الاونلاين مهمة للاقتصاد اللبناني وتحويلات العملة الصعبة للعاملين في لبنان، كما ان فرص العمل موجودة، لكن مشاكل البنية التحتية تشكل عائقا كبيرا امام تلك الفرص».
التعليقات