عندما بدأ فريدريك “فريتز” جوسن عمله في شركة توي في 2012، انجذب إلى التحدي المتمثل في الانضمام إلى شركة في خضم أزمتها.
كان المستثمرون النشطاء يضغطون من أجل تفكيك مجموعة السفر المتعثرة، وكانت هناك حاجة إلى توفير التكاليف لتعويض التباطؤ الناجم عن التقشف في القطاع، وفشل الاندماج طويل الأمد لشركة توي أيه جي ومقرها ألمانيا، وشركة توي ترافيل الشقيقة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، مرارا وتكرارا في النهوض من كبوته.
يقول جوسن، متحدثا عشية اجتماع مجلس الإدارة الأخير له باعتباره رئيسا تنفيذيا من مقر الشركة في حي تجاري هادئ في مدينة هانوفر الألمانية، “إذا لم تكن لديك أزمة، وإذا كنت لا ترغب في التغير (…) فأنت لست بحاجة إلى قادة. مع ذلك، كنت أعتقد أن ذلك سيكون أكبر أزمة في مسيرتي المهنية”.
في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، غادر جوسن شركة توي بعد نحو عقد من العمل في الشركة – قضى معظمها في المنصب الأعلى. شخصيا، يبدو مهيبا إذ يبلغ طوله ست أقدام وسبع بوصات “متران”، لكن حجمه يقابله ابتسامته العريضة وسلوكه المريح.
نشأ جوسن في عائلة من الطبقة المتوسطة مكونة من خمسة أفراد في مدينة دويسبورغ الألمانية الساحلية، وهي مركز لتعدين الفحم وتصنيع الحديد والصلب، حيث عمل والده مستشارا قانونيا لمجموعة تيسن للصلب “قبل اندماجها مع شركة كروب”. كان في شبابه أكاديميا. التحق بمدرسة لاندفيرمان-جمنازيوم، واحدة من أقدم المدارس في ألمانيا تعود أصولها إلى أكثر من 450 عاما.
خلال العامين الأولين من عمله في شركة توي، أنهى جوسن مفاوضات الاندماج المتقطعة، ما أدى إلى إنشاء أكبر شركة سياحية في العالم، التي وظفت أكثر من 70 ألف موظف في أوجها “الآن لديها 40 ألف موظف تقريبا”.
لكنه يشك في أن إرثه الأعظم سيكون ببساطة الحفاظ على بقاء الشركة عندما تفشت جائحة كوفيد- 19. يتذكر جوسن، “أدت اللوائح التنظيمية إلى إفلاس أعمالنا. خلال مسيرتي المهنية، كانت إدارة شركة دون إيرادات أصعب موقف كنت فيه”.
في الأشهر الثلاثة المنتهية في نهاية حزيران (يونيو) 2020، أعلنت شركة توي تحقيق إيرادات بلغت 75 مليون يورو فقط، بانخفاض 98 في المائة عن العام السابق. خلال العام المالي الكامل، تكبدت الشركة خسارة قدرها 3.2 مليار يورو. لقد نجت بفضل 400 مليون يورو في توفير التكاليف ونحو خمسة مليارات يورو على شكل قروض إنقاذ من الدولة الألمانية. هذا العام فقط، أعلنت الشركة “أول ربع متعادل لها على نطاق واسع بعد الجائحة”.
تم استبدال جوسن بالمدير المالي لشركة توي، سيباستيان إبيل، الذي التقى به جوسن لأول مرة عندما كان يدير قسم شركة فودافون الألماني.
كان جوسن في عطلة في منطقة البحر الكاريبي في كانون الثاني (يناير) 2020 عندما سمع لأول مرة عن فيروس كورونا الجديد والإغلاق الذي تلاه في مدينة ووهان الصينية. مع ذلك، لم يكن قلقا في البداية وكذلك عملاء شركة توي – شهد كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) 2020 أعلى مستويات الحجز.
لكن بحلول منتصف آذار (مارس)، قبل ساعات فقط من إغلاق ألمانيا حدودها في محاولة لوقف الفيروس سريع الانتشار، جمع جوسن فريقه التنفيذي لطرح سؤال بسيط، “ما مقدار الأموال التي لدينا في المصرف؟” ويضيف، “هذه أمور لا تسألها عادة بصفتك رئيسا تنفيذيا”.
عمل جوسن في البداية باعتباره مهندس برمجيات في الولايات المتحدة قبل أن ينضم إلى قسم الاتصالات في مجموعة مانسمان في دوسلدورف، التي استحوذت عليها شركة فودافون لاحقا. ثم تقدم في المناصب ليدير شركة فودافون ألمانيا.
كان النصف الأول من مسيرة جوسن المهنية في طليعة صناعة الاتصالات المزدهرة بسيطا. يقول، “لطالما كان الأمر يتعلق بالرقم القياسي التالي، والذي بعده، والذي بعده. كل ما تحتاج إليه هو تنظيم النمو”.
الانضمام إلى شركة توي يمثل انطلاقة مهمة لجوسن. إذ انضم إلى شركة خاسرة وباعتباره وافدا جديدا في الصناعة واجه استقبالا فاترا من البعض في قطاع السفر.
لكن جوسن رأى أن وضعه كشخص خارجي ميزة. يقول، “عندما تأتي من الخارج، أحيانا يكون لديك ميزة عدم الإفراط في معرفة التفاصيل”. كان بإمكانه رؤية عملية الاندماج وإعادة هيكلة الشركة من “منظور عشرة آلاف متر” ما سمح له بتجاوز المشككين الذين قالوا “هذا غير ممكن، لا يمكن القيام بهذا”.
منذ طفولته، لم يخش جوسن أن يقوم بالأمور بمفرده. تبرز رحلة قام بها بمفرده لزيارة أقاربه في الولايات المتحدة في سن 13 عاما فقط باعتبارها نقطة تحول في حياته تغلب فيها على القلق.
أخبر بيتر لونج، أحد المخضرمين في الصناعة الذي أدار شركة توي ترافيل في البداية، قبل أن يشغل منصب رئيس مجلس إدارة توي وأخيرا نائب رئيس مجلس إدارة شركة توي حتى العام الماضي، صحيفة “فاينانشال تايمز” وقت الاندماج، أنه لولا وجود جوسن، “لما كانت الشراكة لتنجح”.
ثم شرع جوسن في إصلاح نموذج أعمال الشركة. فبدلا من محاولة التغلب على منصات مثل أير بي إن بي في لعبتها، استثمر في الفنادق وسفن الرحلات البحرية لإنشاء نموذج أعمال متكامل رأسيا. يوضح جوسن، “يجب أن تكون لديك استراتيجية جيدة ثم تحتاج إلى التحدث كثيرا” مع المستثمرين والزملاء. “يجب أن يكون لديك حجج جيدة”.
الشهادة النهائية على نجاح تغيير جوسن للشركة هو أنها لم تواجه المصير نفسه لشركة التشغيل المنافسة توماس كوك، التي انهارت وكان مصيرها التصفية في 2019 بعد 178 عاما من التداول، على حد قوله. يقول جوسن، ” عند المقارنة تحديدا بشركة توماس كوك التي لم تتخذ هذه الخطوات وأصبحت أكثر فأكثر تحت ضغط من المنافسين الرقميين، فقد كان أداؤنا جيدا للغاية”.
لكن على الرغم من المركز القوي الذي وضع شركة توي فيه، كان جوسن “غير متأكد” من أن الشركة “يمكن أن تنجو” عندما تفشت الجائحة. خلال الأسابيع القليلة الأولى من الأزمة، كان ينام لبضع ساعات فقط في الليلة.
تم تقليص جدول أعماله إلى اجتماع السيولة في الصباح واجتماع التكلفة في فترة ما بعد الظهر، تتخللها ساعات وساعات من المكالمات للمستثمرين والمصارف ووزراء الحكومة.
يقول إنه ركز فقط على المدى القصير والأشياء التي يمكنه تغييرها، مستخلصا درسا من مدربه في الشطرنج خلال أعوام مراهقته. يقول، “عندما تقوم بحركة وتنهي العمل قبل موعده النهائي، فذلك يعني أنك اتخذت خطوة. أفضل طريقة لخسارة مباراة شطرنج هي عندما تفكر في أشياء لا يمكنك تغييرها”.
يعزو جوسن نجاح الشركة في تجاوز الجائحة إلى الفريق المتماسك الذي شكله. يقول، “لا تتعلق الشركات بالأنظمة والعمليات، بل بالأشخاص”.
إبيل ليس العضو الوحيد في مجلس الإدارة الذي لديه تاريخ طويل مع جوسن. حيث يعمل معه ثلاثة أعضاء آخرين في مجلس الإدارة منذ أكثر من عقدين.
يقول جوسن، “خرجنا معا من الجائحة. عندما تتعرض الفرق للضغط، فإن هذه فرصة لتحقيق الروح لأن الناس سيقفون معا ويقاتلون”.
بعد الموجة الأولى من الجائحة، بتشجيع من الدولة الألمانية، أكد جوسن أنه ضمن نجاة شركة توي. لكنه تفاجأ بمدة استمرار الأزمة.
يوضح قائلا، “لم يكونوا ليقوموا بتمويلنا لو لم نكن شركة جيدة قبل الأزمة (…) لذلك كانت لدى الدولة ثقة كبيرة بأننا كنا شركة جيدة وقادرة على السداد. إذا كانت لديهم الثقة، فلماذا لا نحظى بالائتمان؟” لا تزال شركة توي تدين بنحو ملياري يورو لمصرف كيه إف دبليو الألماني للتنمية.
على الرغم من خروجها بشكل سليم من الجائحة، واجهت شركة توي مشكلات جديدة في الأشهر الأخيرة.
في آذار (مارس)، فتحت الحكومة الألمانية تحقيقا في بيع 29.9 في المائة من حصة أليكسي مورداشوف البالغة 34 في المائة في شركة توي بعد أن تبين أن الثري الروسي، الذي يخضع لعقوبات، قد نقل الأسهم إلى شركة مملوكة لزوجته. ولا يزال التحقيق جاريا.
طوال فصل الصيف، تضررت شركات الطيران أيضا جراء إلغاء الرحلات وتأخيرها، ما كلف الشركة 75 مليون يورو. كتب أندرو فلينتام، المدير الإداري لشركة توي في المملكة المتحدة وأيرلندا، إلى العملاء في منتصف حزيران (يونيو) للاعتذار عن “الضائقة التي سببتها”. يبدو أن أزمة الطاقة والضغوط التضخمية في جميع أنحاء أوروبا ستطلق تباطؤا في الأسعار الاستهلاكية في وقت لاحق من العام، ما قد يهز قطاع السفر على الأرجح.
لكن هل هذا التحدي كاف لجوسن؟ ليس تماما. يقول جوسن: “تعود السوق إلى طبيعتها وتواجه مزيدا من التحديات العادية (…) مع سوء إلغاء الرحلات الجوية أو أيا كانت، أنت تقول إن هذا طبيعي أكثر. ثم يأتي السؤال حول مدى استعدادك للحياة الطبيعية؟”
كان من المقرر أن يستمر عقد جوسن البالغ 6.4 مليون جنيه استرليني في العام حتى أيلول (سبتمبر) 2025، لكنه انسحب منه في وقت مبكر في نهاية الشهر الماضي، لكن رحلة العودة من الجائحة لم تنته بعد. يتوقع أن “الطلب كبير، لكن لا يزال لدينا ديون وما زلت الدولة لدينا كمساهم، لذلك ستكون هناك بضعة أعوام نحتاج فيها إلى إصلاح الميزانية العمومية”.
وما نصيحته لخليفته؟ يقول جوسن، “ليس هناك ما هو أقل أهمية، وأقل حاجة إليه من نصيحة رئيس تنفيذي سابق. كل شخص يعمل بطريقته الخاصة”.
ثلاثة أسئلة لفريدريك جوسن
من بطلك في القيادة؟
كلمات لاو تزو، فيلسوف صيني قديم، عن القيادة بالنسبة لي هي جوهر القيادة، “عندما ينتهي عمل أفضل قائد يقول الناس، لقد فعلنا ذلك بأنفسنا”.
ما أول درس تعلمته في القيادة؟
أخبرني أحد المديرين الأوائل في مسيرتي المهنية أنه ينبغي لك دائما الحفاظ على نظافة مكتبك، ثانيا، عندما يكون عليك اتخاذ قرار، اتخذ القرار، لا تؤجله طويلا وتفكر فيه مرة أخرى، وثالثا، إذا نصحت الأشخاص بفعل شيء ما، فلا تنصحهم إلا إذا كنت تريد المتابعة معهم، وإلا فلا فائدة من النصيحة.
ما الذي كنت ستقوم به لو لم تكن رئيسا تنفيذيا؟
أعتقد أنني كنت سأكون مستشارا استراتيجيا لأنني أحب التفكير في الأشياء وتنفيذها. لدي خلفية في هندسة البرمجيات لكني لم أكن أبدا باحثا جيدا. أنا شخص ينجز 80 في المائة من شيء ما بسرعة كبيرة. لكن عندما تكون باحثا، فأنت بحاجة إلى إنجاز 98 في المائة أو 100 في المائة وهذا يستغرق وقتا طويلا.
التعليقات